المياه ورؤية 2030

تقييم الوضع الذي سبق استراتيجية المياه

أُجْرِيَ تقييم الوضع الراهن لقطاع المياه في المملكة من خلال اعتماد إطار متكامل يضم العديد من المحتويات التي تغطي الجوانب الحرجة في القطاع، واعتمد التقييم كذلك على العديد من الدراسات السابقة، والمقابلات الشخصية مع أصحاب العلاقـة الرئيسين، والمقارنة المعيارية مع نماذج دولية.

وقد كشفت مقارنة الدراسات السابقة عن وجود توافق في الحاجة إلى ترشيد الطلـب على المياه، وبشكل خاص في القطاع الزراعي، وتشدد الدراسات كذلك على أهمية اعتماد نهج متكامل لتطوير وتوجيه وتنويع مصادر إمدادات المياه الوطنية والمحلية، وتحسين العمليات في القطاع، وإجراء تقييم شامل للإطار المؤسسي وآليات الحوكمة الممكنة والنظر في احتمالية مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمة. وتمتلك المملكة مخزونًا احتياطيا محدودًا من المياه الجوفية غير المتجددة القابلة للاستغلال، وكذلك معدلات تغذية منخفضة، وذلك يعود إلى الظروف المناخية القاحلة.
وتشهد متطلبات المياه في المملكة التي قدرت عام ٢٠١٥ بنحو ٢٤,٨ مليار متر مكعب زيادة سنوية ثابتة بنسبة ٧٪ ، علما أن قطاع الزراعة هو المستهلك الأكبر للمياه في المملكة، بنسبة ٨٤٪ من إجمالي الطلب على المياه، وبهذا يعكس استخدام المياه في القطاع الزراعي تحديًا بيئيا؛ نظرًا لاعتماده على الموارد غير المتجددة، التي تمثل ۹۰٪ من إجمالي المياه الموردة للقطاع.

ويعود الاستعمال المرتفع للمياه في القطاع الزراعي إلى الفجوات في سياسات قطاع المياه، والتشريعات، وأوجه القصور العامة في الاستخدام، إذ تستهلك الأعـلاف وحدهـا ٧٩٪ من متطلبات المياه في القطاع الزراعي وتبلغ كفاءة الري %٥٠ في الوقت الحالي مقارنة مع ما يزيد عن ٧٥% وفقًا لأفضل الممارسات عالميا، وفي ظل المعدلات الحالية للاستهلاك، قد تواجه بعض المناطق في المملكة نضوبًا في المخزون الاحتياطي خلال السنوات الاثنتي عشرة القادمة، وذلك يستدعي اتخاذ إجراءات فورية لحل هذه المشكلة. وعلى الرغم من ندرة المياه، فإنه لا تُسْتَغَلُّ مياه الصرف الصحي المعالجة بصورة كافيـة نظـرا لمحدودية البنية التحتية والتحديات المتعلقة بتقبل استخدام هذه المياه ببعض المناطق، ومحدودية الإشراف التشريعي وحوافز التسعير.

ويتيح استهلاك المياه في القطاع الحضري لكل فرد العديد من فرص التحسين، وذلك يمكن تحقيقه من خلال تقليل الفاقد من المياه في الشبكة يقدر بما يزيد عن ٢٥٪ في مناطق مختلفة، وداخل المباني، ومن خلال تحديد مؤشرات أسعار وحوافز للمحافظة على المياه. وفي ظل الاعتماد الكبير على تحلية المياه (٦٠٪ من إجمالي إمدادات المياه في القطاع الحضري)، وإلى جانب الدعم الراهن يفرض هذا القطاع أعباء عديدة على الاقتصاد الوطني، كما ترتفع تكلفة وحدة الإنتاج المرتفعة نسبيا بسبب ارتفاع تكاليف النقل عبر ضخ المياه من السواحل إلى الداخل. ويعتمد القطاع – كذلك وبصورة كبيرة – على الوقود؛ إذ يمثل استهلاك الوقود في تحلية المياه ما يزيد عن ٢٥% من حجم الإنتاج الوطني للوقود. بالإضافة إلى ذلك تترك تحلية المياه بصمة بيئية واسعة، وذلك يعود إلى وسائل التخلص من الرواسب الملحية والطينية، فضلا عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

كما يجب التعامل بكفاءة مع التحديات التشغيلية وتلك المتعلقة بجودة الخدمات إذ إن هناك حاجة إلى توسعة نطاق تغطية شبكة المياه والصرف الصحي، إلى جانب الحد من الفاقد المرتفع في شبكات التوزيع المتعلق بالمشاكل الفنية؛ حيث تعاني المنازل من إمداد غير منتظم، مما يستدعي اعتمادها على ناقلات المياه التي تعد مكلفة نسبيا. ومن جهة أخرى، أصبحت البنية التحتية قديمة إلى حد ما، ويسجل تأخر المشاريع بسبب تحديات التمويل. وتعد عملية الفوترة والتحصيل منخفضة في مختلف أنحاء المملكة، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة المتعلقة بمستويات استرداد التكلفة المنخفضة أصلا في هذا القطاع، وبهذا تساهم مستويات استرداد التكلفة المنخفضة في تقليل حوافز الخدمة لتحسين جودة الخدمات، بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى سد عدد من الثغرات المتعلقة بقدرة المؤسسات ورأس المال البشري، والتقنيات، والعمليات، بما يساهم في تمكين القطاع ليتماشى مع المعايير العالمية. وقد أطلقت الحكومة عدة مبادرات لإصلاح قطاع المياه وفقًا للمراسيم الملكية الصادرة لتشجيع إشراك القطاع الخاص، إلا أن وزارة البيئة والمياه والزراعة تواصل تأدية دور أساسي كافة الوظائف والخطوات في سلسلة قطاع المياه، وهناك تركيز محدود في تطوير السياسات المائية والحوكمة الثانوية؛ نظرًا لتدخل وزارة البيئة والمياه والزراعة الواسع في تقديم الخدمة. وتوجد محدودية في الإشراف على الاقتصاديات والموارد في القطاع، مما قد يؤدي إلى عرقلة إدارة الموارد المائية على الصعيدين الوطني والمحلي. ويعد الإطار التشريعي والقانوني الحالي غير كاف ولا يمكن من الحوكمة الفاعلة علما أن قطاع المياه ما زال يخضع إلى نظام المياه الصادر في عام ۱۹۸۰، ولا يوجد أي جهة تشريعية مستقلة لسلسلة القيمة الكاملة للعمليات ولا تُنفّذ أي خطط للترخيص فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية، في حين أن التشريعات الأخرى إما غير متوفرة أو غير مفعلة بصورة ملائمة، كما أن العلاقات التجارية والاتفاقيات بين أصحاب المصلحة الرئيسين في توفير خدمات المياه هي ذاتها، إما غير متوفرة أو غير كافية، وذلك يؤثر على الشفافية والمساءلة والحوكمة. وقد أدت هذه القضايا الهيكلية إلى الحد من مشاركة القطاع الخاص في قطاع المياه، حيث تقتصر مشاركة القطاع الخاص – بشكل أساسي – على إنتاج المياه. وتهدف استراتيجية المياه الوطنية ۲۰۳۰ إلى العمل على التصدي لجميع التحديات الرئيسة، والاستفادة من الدراسات السابقة والمستمرة، وإصلاح قطاع المياه والصرف الصحي لضمان التنمية المستدامة للموارد المائية في المملكة مع توفير خدمات ذات جودة عالية وبأسعار معقولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى